المقالات

ثمرة القرع

 

أحد أبنائي النجباء – على مقاعد الدراسة ، المشاكسين داخل الفصل ، وخارجه – كانت نجابته تغفر له غضبي منه ، و( نرفزة ) أعصابي عليه .. كنت أحاول أن اجد سبيلا أتخذه حجة لعقابه
– قبل أن يمنع العقاب – لكنه كان يفوت علي ذلك عندما يمسح
( الطبلون ) وياتي بدرجاته كاملة ، ويغلق علي جميع المنافذ التي أحاول الوصول منها إلى أنامله الغضة كي ( أكرمعه ) بحافة المسطرة على أطرافها ، وهذه الكرمعة الخفيفة لم تكن بسبب سوء فهمه أو نقص درجاته
، ولكنها كانت محاولة مني في أن أعلمه الطريقة الصحيحة لكتابة بعض الحروف لأن ( الشكل الجمالي ) – في الخط –
عندي لايقل اهمية عن كتابة الكلمة صحيحة ( إملائيا ) .
أعترف أني – في بعض
– في بعض الاحيان – كنت احب شقاوته اللذيذة التي ترسم على ثغري ابتسامة تصل حد القهقهة في بعض الأوقات ، لكن الطفولة
– ببراءتها – أحيانا ترتكب أخطاء أو شقاوات تستحق عقابا يجنب الطفل مساوئها في مستقبل حياته .
في جلسة من جلسات استعادة الذكريات قال لي الطفل ( الرجل ) : كان لي زميل – بمنزلة اخي – وكنا نسير – معا – في احد أزقة قريتنا أغرتنا ثمرة ( قرع ) كبيرة – دبى كما نسميها – تتدلى على احد الجدران حرضتنا على أن نسرقها ، ونذهب بها إلى إحدى أمهاتنا لتصنع لنا منها
( حلاوة دبى ) كما يفعلون في قريتنا ، ورغم ضخامتها حملناها إلى أمي ، ونحن نكاد نطير من الفرح ، وفي البيت لم تبد أمي أي امتعاض ، او غضب ، ولكنها طلبت منا أن نضعها تحت ( القعادة ) ، ولم يمض طويل وقت حتى جاء أبي – بعد أن انتهت مناوبته العسكرية – وقبل أن يخلع – عن جسده – البدلة العسكرية طلبت منه أمي أن ينظر تحت القعادة ليسألها : من أين لنا هذا الدبى ؟
لم تجبه ، ولكنها قالت له ووجهها يتفصد غضبا : اسأل إبنك . ثم اردفت : إبنك وزميله سرقاه .
لم ألاحظ عليه أي انفعال ،ولكنه خرج وعاد ، وفي يده سوط رشيق يتثنى ، وبأسلوبه العسكري طلب مني ان اخلع ثيابي ، وأفرغ جام غضبه على جسدي الطفولي الصغير ، ولم يتركه إلا وقد رسم على جلدي لوحة ( سيريالية ) حمراء .
قبل أن يكمل حكايته قلت له :
رحم الله والديك لقد طبقا في حقك النصيحة التي تقول : احذر السرقة الأولى والسيجارة الاولى وإلا كنت اليوم شيئا آخر .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى