الخواطر والشعر

مصر التي..

 

مرحباً أحبتي … قبل حوالي الأربعة عقود كانت بداياتي

الجميلة معها … عندما أمرتني والدتي حفظها الله ورعاها

أن أقرأ … كتاب (( جواهر الأدب )) … كنت صغيراً فلا

أقوى على حمل الكتاب ولا أستطيع حتى أن آخذه من

على الرف …!!!…

كان كتاب ضخم … على طفل لم يتجاوز الثامنة من

عمره … لكنني أدركت بعدها … حرص أمي الشديد …

فيما فعلت … حفظها الله ورعاها … وأدركت مدى

رجاحة عقلها … وبعد نظرها … !!!…

…(( … جواهر الأدب … )) … كتاب تعلقت به

وجدانياً … لم أفهم حينها قول عنترة بن شداد (( وبيض

الهند تقطر من دمي ))… !!!… فأصبحت بين دفتيه

مسافراً هائماً … !!!… فقط … !!! … (( أقرأ ولكن لا أفهم

معاني تلك المفردات …!!!…))… وأثناء تلك الرحلة

الجميلة والمحببة إلى النفس التواقة … لجمال الكتاب

وما يحويه … !!! … نظرت إلى ما خطه أحمد شوقي …

وبدأت أسأل من يكون …((… أمير

الشعراء …))…!!! …؟؟؟… وأين يعيش وكيف لي أن

أجتمع به يوماً أو أن أراه …!!!…؟؟؟…

رحلت مع أعجوبة شاعر النيل … حافظ إبراهيم …

وتأثرت تأثراً شديداً في وصفه … (( لألته )) … وكيف

أنه طلب منا أن نأتي فقط بالكلمات … لا بالإختراعات

والمنجزات … !!!…؟؟؟…

بدأت حينها … أسأل أين ومن هي ولماذا…

(( مصر )) …!!!…؟؟؟… فلم أجد إجابة سوى أنها …

دولة عربية … ففط … وقد تكون قريبة منا على

الخارطة …!!!…؟؟؟…

أمتزج ذلك الفضول بحب مصر وأنا لا أعرف ماهي

مصر … فلقد سطرت مصر في وجداني مكان ومكانة …

منذ نعومة أظافري … فتعايشت معها حباً وطرباً عشقاً

محبباً إلى النفس … فكان ثاني لقاء لي بها هي ما حملته

لنا الذائقة الفنية من إبداعات الفن المصري في مجالات

الغناء والشعر والقصة والأفلام والمسلسلات التي كان

يبثها التلفزيون …

لم يقف بي الحال عند مفترق الطرق كثيراً … فقد أراد

المولى عز وجل أن أكون ضمن طلبة في الصفوف الأولى

في المرحلة الإبتدائية … تتلمذوا على أيدي معلمين

بعضهم من مصر العزيزة … فكانت تلك البداية الحقيقة

لي للتعرف على مصر التي شاهدها قلبي قبل تراها

عيناي … رأيتها من خلال معايشة للهجة المصرية …

رأيتها من حيث القيمة الإنسانية والتي لا تشوبها شائبة

ولا ينقص من حقهاً أو قدرها أي نقيصة تذكر… !!! …

رأيتها وكأني أرتشف من نيلها العظيم لحن الوفاء …

لأرتوي بعدها من أبنائها لذلك الحنين … فهذا طبيب

مصري يهتم بأن يعطيك قبل الدواء إبتسامة رقيقة ليبدأ

معك حديث لا دخل له في الوعكة الصحية لتكتشف

مهارة العطاء في معنى يأخذك الجمال الإنساني إلى

مبتغاك الحسي …!!!…

لله درك يا مصر كم أحببتك … وكم أحبك حتى وأنا

غاضب منك ولك … فسرعان ما يتبدد غضبي ليزداد

خوفي وحبي لك … وسرعان ما أشتاق إليكي وأنا لم أغب

طويلاً عنك … ففي دورب القاهرة يحلو المسير في كل

وقت … وأعشق الليل الذي يخلو من الضجيج بين دفتي

النهر … أرتحل مع تمثال إبراهيم باشا لأحدث عنك

مافعله طلعت حرب وأرتشف قهوتي في جروبي لأسافر

إلى البحر وأنتظر غياب الشمس بين الأهرام لأصاحب أبو

الهول في رحلة الفجر فأذكر درب التبانة والزاوية الحمراء

وأصلي ركعتين في الأزهر لأبحث عن ضالتي في حي

الحسين لأبكي شوقاً إلى كمبشي زار في الأسكندرية وأنا

أسير على الشاطئ في شتاء لا يخلو من المطر … لأركب

بعدها القطار قاصداً الصعيد وأشتم رائحة التاريخ

العظيم بين أسوان في بقاء درب الكباش … وأسدي قصر

النيل … ومرة أخرى يأخذنا جمال طابا … حيث دفء

المشاعر في قصب السكر ومضارب الأرز … لتشرق

شمس شرم الشيخ من جديد لتعلن عن أهمية أن ترى

مصر بكل جوارحك لا بعينيك فقط …!!!…

مصر التي …. أكتب عنها اليوم هي ذلك الحلم البعيد

لطفل تعرف إليها وهو لم يراها … سأل عنها … ليبدأ

رحلة حب كان أولها فضول وآخرها عشق تعدى الهيام …

إرتكز في رحلة البحث تلك على أن لا يراها فقط بل

يعيش كل مراحلها وكأنه حينما فعل ذلك تحقق له

مبتغاه بأن تعلم ما يجب عليه أن يتعلمه وفهم ما كان له

أن يفهم ليدرك بعدها أن الحقيقة تكمن بأن تعيش

الشيء لا أن تشاهده بدون مشاعر …!!!

لقد قال عنها الكاتب والمؤلف أسامة أنور عكاشة رحمه

الله تعالى في أحدى مشاهد مسلسله الشهير (( أرابسك

أيام حسن النعماني … على لسان المبدع حسن حسني

في وصفه لمصر …(( أن مصر كالمعدة … تلتهم

الغزاة … فتهرسهم لتمتص كل ماهو مفيد ومن ثم تقوم

بطرد الفضلات منهم والغير مفيد …)) … لتبقى مقبرة

للغزاة فلا التتار ولا الفرنسيين ولا الإنجليز ولا أي

مستعمر أو غازي لهذه الأرض الطيبة أستطاع أن يسيطر

عليها كما يريد …

إن مصر التي أحببت لم يكن الحديث عنها هنا لمجرد

الحديث ولن يكون … فالتاريخ القديم والحديث قص لنا

القصة … وبرهن لنا بالدليل القاطع مفهوم الفكرة من

حيث الشكل والمضمون فأعطى لنا الدرس بكل أبعاده

وعمقه … فلا مناص أن نتعلم من منهج العبرة …

والحديث إن كان بشموليته يحكي قصة العاشق

لمعشوقته لا ينفك أبداً عن رسم الصورة الجميلة لسحر

ذلك البعد الحالم بين اللقاء ووحشة الحزن حين يأتي

وقت الفراق … لكنها في الأصل تكمن في أحساس

الشعور لتدفق المشاعر الساكنة بين أمواج القلب الهادر

فلا شاطىء ولا ميناء ولا مرسى حتى رذاذ البحر فيها

يأتيك كعطر الزهر لا يحمل إلا رحيق العسل أول مافيه

مثل آخره …!!!…

تلك هي مصر التي أحببت وتلك هي مصر التي أعشق

وتلك هي مصر التي تسكنني أسكنها وتلك هي مصر التي

نادت بها العشاق في ليل السمر وتغنى لها ومن أجلها كل

من رأها كما رأيتها أنا … لا كمن شاهدها فقط …!!!…؟؟؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى