الحوارات

لوحات الرسام الدلح التراثية من ضفاف وادي بيش تحكي ماضي جازان

الصحافة تبحث عن إبداعات وجماليات الموهوبين أينما كانوا لإبرازها والتغني بها ومنطقة جازان بمحافظاتها المتعددة ومراكزها المختلفة وقراها الساحرة وتضاريسها المتنوعة وأجوائها القارية تكتنز مواهب وتمتلك كل مقومات الجمال …. في صحيفة الأحداث بمكتب جازان نُنقب ونبحث عن مواطن الجمال وعن رواد الفن والإبداع ونتحرك في عدة اتجاهات وكانت وجهتنا هذه المرة لضفاف وادي بيش حيث قرية بيش العليا التابعة لمحافظة بيش بمنطقة جازان وتحديدًا للقاء رمزٍ من رموز الإبداع في الفن والرسم منذ عقود وهو: قالِب بن إدريس الدلح… التقيناه فتحدث عن بداياته وذكرياته ومسيرته مع تراث جازان وارتباطه بالموروث الشعبي الذي تتسم به لوحاته وتحاكي نسيم ضفاف بيش … نترككم مع تفاصيل اللقاء .

– بدايةً نرحب بالرسام المبدع “الدلح” في هذا اللقاء الصحفي؟

– سعيد بهذا اللقاء وأشكر لكم هذه الفرصة لإلقاء الضوء على جانب من التراث عبر لوحاتي والتي تحاكي الماضي الجميل والذكريات الجازانية للمساهمة في إبراز جانب من الجوانب الجميلة في مملكتنا الغالية.

– من هو قالِب الدلح في سطور؟

– قالِب بن إدريس الدلح من مواليد ١٣٧٢هـ في قرية بيش العليا، التحقت بالمدرسة الابتدائية عام ١٣٨٠هـ وتخرجت منها ودرست المرحلة المتوسطة ثم التحقت بمعهد التربية الفنية بالرياض للتخصص وبعدها تم تعييني معلم تربية فنية في محافظة بيش وانتقلت بعد ذلك لمدرسة في قريتي بيش العليا وفيما بعد واصلت في الكلية المتوسطة للحصول على دبلوم التربية الفنية وبعدها عدت لمدرستي وعقب ذلك واصلت دراستي بجامعة جازان وحصلت على درجة البكالوريوس في نفس مجالي التربية الفنية… والحمدلله رب العالمين الآن متقاعد بعد مشوار طويل.

– كيف بدأت معك هواية الرسم حتى أصبحت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالماضي والذكريات عبر رسوماتك؟

– عندما كنت في المرحلة الابتدائية كنت أهوى الرسم منذ الطفولة ومع تشجيع المعلمين لي وعلى رأسهم الأستاذ علي صيقل والأستاذ الحكمي في الثمانينات الهجرية وفي المرحلة المتوسطة كان لمعلم التربية الفنية أثر في تنمية موهبتي في الرسم وكان كذلك لمعهد التربية الفنية بالرياض دور كبير في تعلقي بالرسم ونمو موهبتي لأن المعهد آنذاك يوازي الجامعات الآن وأكثر وبعد ذلك مارست الرسم كمهنة كوني معلم تربية فنية ويعتبر الرسم هواية لكنني انشغلت بالتدريس أكثر ولم يعد لدي الوقت الكافي للإبداع في الرسم وبعد إكمال دراستي في درجة البكالوريوس عدت لممارسة هواية الرسم ورسمت أجمل لوحاتي وهي لوحة الدار وأهديتها لإدارة التعليم بصبيا وهي الآن على حد علمي في متحف التراث بمحافظة صبيا… بعد التقاعد أصبح عندي المزيد من الوقت فأصبحت أسترجع ذكريات السبعينات والثمانينات الهجرية من خلال لوحاتي التي أرسمها وعلى الرغم من التطور والحضارة والمدنية إلا أنني أجد نفسي أكثر عندما أقوم برسم الماضي لتصوير بيئتنا القديمة المتعلقة بالرعي والزراعة وكافة حياتنا اليومية في القرية فأصبح تعلقي بالموروث قوي وهذه الرسومات بالنسبة لأقراني ومن هم أكبر مني في السن تعني لهم الكثير فهي تصور حياتهم وتحكي تاريخ قديم والسبب عدم وجود التصوير في ذلك الوقت فعندما يشاهد أحدهم الرسومات يتذكر الماضي ويحكيه لأبنائه وأحفاده فهو يحاكي الحقيقة والواقع والحمدلله فقد وجدت تفاعل وإعجاب وتقدير لأعمالي الفنية المرتبطة بالموروث الجازاني.

– أيام التدريس بالتأكيد كنت شغوفًا بالرسم فهل ارتبطت ذكرياتك بمواقف مع الطلاب ومواهبهم أم كانت تلك الأيام مجرد تطبيق مادة وتدريس فقط؟

– عندما كنت في التدريس يختلف الوضع قبل المنهج المحدد وبعد وضع المنهج المحدد فقد شاركت في إعداد المنهج الحالي من خلال ورش العمل في الرياض ومكة والدمام وأتشرف بذلك… كنا قبل وضع منهج محدد للتربية الفنية نضع برامج وخطط من واقع البيئة وكنت أتعامل مع الطلاب حسب الأشياء المحيطة بنا فنقوم برسم القعادة والشِبري والعشاش والكراسي والملبوسات وكنت أجد تفاعل كبير من الطلاب وأرتبط بعلاقات وثيقة معهم حتى يومنا هذا فمنهم المعلمين والأطباء والدكاترة والمتقاعدين وأجدهم في مناسبات وأماكن عديدة ولي احترامي وتقديري لديهم وهذا فضل من الله ولوحاتي تجد رواجًا لديهم وثناء وفخر كوني كنت معلم لهم… وقد قضيت أغلب حياتي كمعلم وأجملها في مدرسة بيش العليا قريتي ومع أجيال متعاقبة كمعلم تربية فنية ومدير مدرسة حتى بعد عودتي من دراسة دبلوم التربية الفنية في المدينة المنورة عدت لقريتي ومدرستي وكذلك بعد دراسة درجة البكالوريوس عدت لها ومكثت فيها حتى تقاعدت… وهنا أشكر بهذه المناسبة الأستاذ كرامة الأحمر مدير تعليم صبيا السابق الذي كان يهتم بالمعلمين والتربية الفنية ووجدت شخصيًا تعامل جميل منه فعندما راجعته طالبًا العودة لمدرستي وافق تقديرًا لي والحمدلله استمرت علاقتي بالتعليم جميلة حتى تقاعدت.

– لوحاتك التراثية الجميلة تلامس ماضي جازان المنطقة بشكل عام ولكن بالتأكيد أن قرية بيش العليا لها النصيب الأكبر في لوحاتك.. حدثنا عن هذا الجانب؟

– قرية بيش العليا هي مسقط رأسي ومهد طفولتي وفيها قضيت عمري وبيش المحافظة بشكلٍ عام تستهويني بكل مافيها لأنها تقع على ضفة الوادي وفيها ذكريات الصبا والزراعة والرعي والدوام مشيًا على الأقدام فقد أخذت نصيبها من لوحاتي غير أن المتعارف عليه أن بيئة جازان متشابهة ومتقاربة كثيرًا من الشمال للجنوب في مناحي الحياة ماضي وحاضر وعندما تصدر لوحة من لوحاتي تحاكي الماضي والتراث فهي تتحدث عن المنطقة كافة سواءً في عادات الزواج والختان أو الزراعة والرعي وأجد تفاعل واسع من أرجاء منطقة جازان… أتذكر كلمات سمو أمير منطقة جازان حفظه الله عندما أقمنا المعرض الأول في القرية التراثية قال : تراثكم يا أهل جازان موحد في أغلب المحافظات…. وهذه حقيقة فلا نجد الاختلاف الكبير سوى في المناطق الجبلية وبالنسبة لي تأثرت كثيرًا بمحافظتي وقريتي بيش وارتبطت بالوادي الذي يسيل طوال العام وتعلقت بضفته الجميلة التي تكسوها الخضرة فقد اختزنت ذاكرتي مشاهد قديمة وجميلة فأحاكيها وأنقلها كما حصلت كوني عاصرتها وعشت لحظاتها الجميلة وتتشابه عمومًا مع أبو عريش والدرب وصبيا وأحد المسارحة مع اختلافات بسيطة بين أودية المنطقة.

– أين يجد الرسام قالب الدلح نفسه من تقنيات الرسم الحديثة؟ وهل تجاهلتها أم تمنهج نفسك على استخدامها؟

– أدواتي نفسها الفرشاة واللون والأدوات حاليًا تطورت وتنوعت وكنت أرسم بالزيت لكن الإكريك استهواني ويجف بسرعة وتبقى للفرشاة أثر في الأعمال الفنية لأن أي عمل فني دون الفرشاة ناقص بنظري مثلما نقول عن شيء طبيعي وآخر مقلد فالتقنية مثل الرسم بالجوال لا أُجيدها ولا تعطيني رسم جميل كما تعطيني الفرشاة لأن لمسة الفرشاة مع استخدام العقل تعطي واقعية في الرسم ولذلك أنا مستمر على أسلوبي ولم أستطع تغييره إلا أن الإكريك طاغي على جميع لوحاتي.

– سؤالي الآن من شقين فأود التعرف على مشاركاتك؟ وكيف ترى تفاعل الإعلام معك من داخل وخارج منطقة جازان؟

– مشاركاتي قليلة والتدريس عمومًا أخذ من وقتي الكثير وكذلك الإشراف التربوي ولكن شاركت أثناء دراستي في معرض مقتنيات بالرياض وحصلت على جائزة المركز الرابع أيام صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد رحمه الله وشاركت عام ١٣٩٥هـ في مفتاحة أبها وحصلت على جائزة ومبلغ مالي حيث كان الأستاذ أحمد عسيري مديرًا لفرع جمعية الثقافة والفنون بعسير حينها وداخل المنطقة شاركت مع جمعية الثقافة والفنون بجازان وجمعية جفت وبعد التقاعد زادت مشاركاتي في العديد من الفعاليات… بالنسبة للإعلام فالحمدلله زارتني العديد من الصحف الإلكترونية بمنطقة جازان وكذلك قنوات تلفزيونية مثل الإخبارية ممثلةً في المراسل محمد الأمير والعربية وقناة روتانا بالاتصال وأسعى للنشر على نطاق أوسع لنقل تراث وماضي منطقتنا لأنحاء المملكة وخارجها.

– خلال اللقاءات السابقة سواءً الصحفية أو التلفزيونية أو الهاتفية هل بخاطرك سؤال أو موضوع كنت تتمنى التحدث عنه وفات وارد طرحه عبر لقائنا هذا؟

– الحمدلله فقط كنت أود إيصال رسالة عامة للإعلام ولجمعية الثقافة والفنون بمنطقة جازان بخصوص هذه اللوحات التي تحكي وتحاكي تراث المنطقة ولها قيمة كبيرة ولذلك يمكن المحافظة عليها ووضعها في متحف أو مكان مخصص لتبقى مدة أطول فقد تجاوزت السبعين من عمري حالي حال أقراني وزملائي وأرغب في توثيق هذه الرسومات التاريخية وحفظها لأن الرسومات أبلغ من الشعر والنثر في تصوير ماضي محافظات جازان الجميل وعبر هذا اللقاء أتوجه بهذه الرسالة لمن يهمه الأمر في حفظ ونشر وبقاء هذه اللوحات التراثية لأنها موروث شعبي.

– هل لديك ذكرى خاصة ارتبطت بلوحة أو رسمة جسدتها ريشة الفنان الرسام قالِب الدلح؟

– الذكرى الجميلة بين لوحاتي هي رسمة رسمتها لدارتي “بيتي” القديم والذي نسميه “الدارة” فقد كان عالقًا في ذهني وبمخيلتي وعبرت عنه في لوحة جعلتها حاليًا في مدخل بيتي الحديث بقرية بيش العليا ومثلها بذات التفاصيل لوحة موجودة بمتحف صبيا… هذه هي الذكرى الخاصة حيث رسمت الدار القديمة حسب تصوري لأنني عشت تفاصيل اللوحة وجسدتها فرشاتي بلوحة فنية.

– هذه الذكرى الأجمل في لوحة دارك القديمة فهل توجد لوحة ارتبطت بذكرى حزينة؟

– لا أبدًا لم أرسم لوحة تعبر عن حزن أو مأساة حتى لا يتعكر صفو من يشاهد لوحاتي ويتابعني في مواقع التواصل الاجتماعي وقد حرصت كثيرًا على عدم القيام برسم أي لوحة تعبر عن حزن أو مأساة وكلما هممت برسم لوحة من هذا النوع راجعت نفسي وتوقفت… وربما تكون الأيام القادمة مسرحًا للوحة من هذا النوع وعندها لكل حادثةٍ حديث.

– قبل الختام سوف نقوم بجولة على لوحاتك في هذا المجلس الرائع ولكن نترك لك المجال لتختم الحوار بما تود قوله في مجال إبداعك وهو مجال الرسم التراثي؟

– أولًا أشكر لكم حضوركم لهذا اللقاء وهذه رسالة إعلامية سامية فأنتم تساهمون في نشر الإبداع والتفاعل مع المبدعين وإبراز معالم الجمال في منطقة جازان وفي مملكتنا الغالية فلكم جزيل الشكر والتقدير.

– أبو مهدي قالب الدلح… رسام مبدع أبهرني إبداعك وأدهشتني رسوماتك التراثية وسعدت بالتواجد في منزلكم العامر وأعجبتني اللوحات التراثية ونبدأ معك جولة الختام للحديث عن لوحات هذا المجلس الرائع.

– لوحة الختان” لوحة تراثية رائعة رسم فيها الدلح عادة الختان القديمة قبل سبعة أو ثمانية عقود بتفاصيل بسيطة وأبعاد جميلة.

– لوحة ربع العشة” وهي لوحة رسم فيها تفاصيل المطبخ القديم باختصار شديد.

– لوحة الشعبانية” تعبير مختصر عن عادات وتقاليد المجتمع الجازاني قديمًا في يوم الخامس عشر من شهر شعبان وتصور اللوحة الأجواء الاحتفالية والرومانسية بين العائلة.

– لوحة مدرستي” رسم الدلح في هذه اللوحة مدرسته التي تقع على ضفاف وادي بيش عام ١٣٩٥هـ.

– لوحة العيد” فرشاة قالب الدلح تصور تفاعل الناس في جازان مع فرحة العيد والاحتفال ببساطة وسط الأودية والمسطحات الخضراء الطبيعية.

– لوحة الفصوخ” وهو الفطور الذي يتناوله المزارع وسط الحقول الخضراء حيث تأتي زوجة الفلاح بالطعام فيجلس تحت ظل الأشجار ويشاركه المجاورين أكل وجبة الفصوخ.

– لوحة شبري الحاج” وهي رسمة تحكي تجهيز كرسي خاص للحاج وهذا الكرسي يسمى “القعادة”.

– لوحة الحصاد” هذه اللوحة تحكي تاريخ موسم الحصاد بالنسبة للمزارعين في تلك الأيام الماضية.

– لوحة الزواج” بمجرد مشاهدة لوحة الزواج يتبادر لذهن المشاهد عادات الزواج في منطقة جازان قبل عقود من السنوات.

– لوحة فرَّقنا وهي لوحة تصور الباعة الجائلين في قديم الزمان وكيف يتجمع الناس حولهم كلما زاروا القرية أسبوعيًا أو شهريًا.

ختامًا…. كل أبناء منطقة جازان ممن تجاوزوا الأربعين أو الذين زاروا المنطقة أو عملوا فيها خلال حقبة الثمانينات والتسعينات الهجرية بالتأكيد ستلفت انتباههم لوحات الرسام المبدع “قالِب الدلح” وسوف تستعيد ذاكرة الواحد منهم العديد من ذكريات الماضي ويتبادر لأذهانهم مواقف عاشوها في الأيام الخوالي.

فيديو

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى