المقالات

الخلاف و الاختلاف

هذان المفهومان تشعر لوهلة أن معناهما واحد أو أن كلاهما مرادف للآخر و لكن هذا ليس صحيح فإن الفرق ما بينهم مثل الفرق بين الخير و الشر فالإختلاف محمود و الخلاف مذموم.

عادة ما يكون الخلاف مرتبط بالأشخاص و معاداتهم او مقاطعتهم بعكس الإختلاف الذي يكون بين وجهات النظر أو الرؤى، و لا يمس الشخصيات.

الإختلاف سنة كونية فهناك اختلاف في كل شيء اختلاف في الجنس و اختلاف في اللون و اختلاف في اللغات و حتى في العقول و الأفكار،
قال تعالى :{ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}
وقال الله تعالى في آية اخرى:{ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}
هذه الايات تدل على فطرية الاختلاف بين البشر حتى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يختلفون مع بعضهم البعض ؛ فعندما انصرف رسول الله صلوات الله و سلامه عليه من الأحزاب فقال: (لا يُصلِّين أحدٌ العصر إلا في بني قُريظة)، فأدرك بعضَهم العصر فقالوا: لا نُصلي حتى نأتيها، وقال البعض الآخر: بل نُصلي، فذُكِر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يُعنِّف واحدًا منهم.
وهذا إثبات بموجودية الإختلاف و قبوله من الرسول صلى الله عليه و سلم.
و سيظل موجودا” إلى ان تقوم الساعة.

و غني عن الذكر أن هناك مسائل قطعية لا ينبغي أن يختلف عليها أي إنسان مسلم كالمسائل الفقهية المثبتة بالقرآن و السنة، كالصلاة و الصيام و الحجاب على سبيل المثال لا الحصر و لاحظ هنا أني ذكرت الحجاب و ليس النقاب!

أما مفهوم الخلاف فمورده و مصدره هو النزاعات و التشبث بالآراء و مصادرة حرية الآخر، فمن مثل هذا يولد الخلاف ومن يتبنى هذه المناهج فهو يؤيد مبدأ عدو الله فرعون حينما كان يقول: “ما أُرِيكم إِلَّا مَا أَرَىٰ”
كان هذا هو المنهج و المبدأ الفرعوني؛ مصادرة الآراء و التصدي لأي اختلاف معه
و بلا أدنى شك فإن ذلك يولد الحقد و يخلق الخلافات؛ لا أحد يريد مصادرة رأيه أو تقييد حريته بفرض رأي آخر عليه.
جاء ديننا الحنيف لإيقاف أي خلاف بين البشر و فرض القضاء و العدل لكي يقضي على هذه الخلافات بين الناس، و نهى عن بيعة الرجل على بيعة أخيه كما نهى عن خطبة الرجل على خطبة أخيه وكل فعل أو قول ينتج عنه خلاف وذلك لصيانة المجتمع و الحفاظ على الود بين الناس.

في بعض الأحيان يُخّلق الخلاف من الإختلاف و لكنه لا ينتمي له ابداً إلا أن بعض عقليات البشر تترجم كل تصرف أو راي مختلف على أنه بادرة عداوة او خلاف معه.
لابد أن نفهم أن لكل منا خلفيات و خبرات و ثقافات مختلفة عن الآخر و على ضوء تلك الخلفيات يُكَوِّن الإنسان رأيه ويتخذ قراراته، لننظر إلى أصابع اليد الواحدة لا تتشابه و هناك اختلاف فيما بينهم و لكنها تبقى بجانب بعضها البعض بغير خلافات.
كذلك الانسان يجب ان يبقى و يستمر مع من يختلف معه و لا يترجم تلك الإختلافات بأنها إعلان حالة حرب فيها خاسر و منتصر، الإختلاف صحي جداً لأنه يوسع مدارك التفكير و يجعلك تنظر الى الأمور من زوايا مختلفة.

متى اقتنعنا بهذا و عرفنا مدى فائدة الإختلافات في المجتمع وفرقنا بين المفهومين سنرتقي و ننهض و نتقدم.

دعونا من اليوم فصاعداً نحارب الخلاف و نتقبل الاختلاف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى